📁 آخر المقالات

الواد المسكون ( قصة مرعبة )

 

الوادي المسكون (قصة مرعبة)

ينطلق " با الطيب " الرجل الطيب على متن سيارته الفرنسية الصنع...R4،أو رونو 4،لا يملكها إلا أهل " الكاع والباع" أي أصحاب الثروة والمال،عاد "با الطيب" من حفلة عرس بدوار "ايت عطا" وهي قرية تختبيء خلف أشجار النخيل  الضاربة في السماء،نخلات باسقات عمرت طويلا مثلما عمر" با المدني" وكثير من الرجال بجنوب شرق البلاد...يقود سيارته متباهيا وعقارب الساعة تقترب رويدا رويدا من الفجر..إنه الثلث الأخير من الليل ،يشغل المذياع على نغمات أغنية غربية ،ثم يقلب الموجة حتى يستقر على أمواج الإذاعة الوطنية ،يستمع للمديع وهو يقول :عند الإشارة تكون الساعة..الثانية صباحا و تسع وخمسون ثانية،ثم يعيد المديع الكرة فيشير إلى أنها الثالثة صباحا.'"با الطيب" تخالجه بعض الهواجس والأفكار ،لأنه وحيد سيارته والظلام الدامس لا تبدده إلا أنوار "رونو 4" الضعيفة.

"رونو 4" تطوي الطريق طيا وهي تحيي أشجار النخيل،بينما " با الطيب" ما يزال الشيطان يوسوس له أنه وحيد وفي مكان موحش ،يغشاه الظلام الحالك ،يتسامع منه عواء الذئاب ونباح الكلاب،لكن من قال إن هذا يشغل فكر " با الطيب" ،فهو شجاع بما يكفي ليصرف عنه أي شيء.

يستعيذ بالله من وساوس الشياطين،و لسان حاله  يقول :"أنت رجل طاعن في السن .فكيف يتسلل الخوف إلى نفسك كالصبيان" ...فجأة تنطفيء الأنوار ،لقد ارتطمت عجلات "رونو 4" بحاجز إسمنتي يسمى في عرف أهل المنطقة "بوليسي ميت" فانطفأت الأنواروحل محلها ظلام أشبه بشبح أسود.تتوقف العجلات عن الدوران قبل أن يتوقف قلب " با الطيب"، و ياخذ " با الطيب" مصباحا يدويا كان قد وضعه في السيارة تحسبا للطوارئ،يخرج من "رونو 4" بحذر شديد ،يرفع غطاء السيارة ،يتفحصها كما جرت العادة فمثل هذه الأعطاب قد تعودها مرة في الأسبوع أو قل مرة في اليوم وهو قادر على إصلاحها...فعلا لقد أصلحها ،ركب و أدار مفتاح التشغيل،الأمور تسير بخير وعلى خير , وتنطلق " رونو 4" ،وهي تطوي الطريق ،الأن هي في جوف واد جف ماؤه تعبر منه طريق عميقة ضيقة ،لذا فالحذر مطلوب ،ويجب على " با الطيب" أن يطبق المقولة الشهيرة " العجلة من الشيطان والتأني من الرحمان" الأن هو في منتصف الطريق في بطن الوادي ،فجأة  تكشف أضواء السيارة عن امرأة في الطريق ،امرأة تلتحف السواد ويبدو أنها من نساء القرية.لكن ماالذي جاء بها إلى هذا المكان وفي هذا الزمان؟..تلوح بيديها و كأنها تطلب النجدة." باالطيب يريد التوقف لكن الشكوك تطارده،و يتوقف أخيرا ويسأل المرأة وهو يطل من النافذة:

- " ما تريدين يا امرأة؟"

لم ترفع المراة وجهها خجلا وقالت:

-" هلا أوصلتني معك إلى " أولاد سيدي داود " " با الطيب"؟"

لم يتوانى الرجل الطيب في السماح لها بالركوب،كانت قد ركبت في المقعد الخلفي حياء،سألها :

- " لا بد أن الأقدار رمت بك إلى هنا وفي هذا الوقت المتأخر من الليل؟"

لم تنبس المرأة ببنت شفة ، ثم أضاف:

- " ولا بد أيضا أنك تعرفينني؟"

لم تجب المرأة بشيء ،واعتقد هو أن الخحل قد عقد لسانها فكف عنها، إلى أن وصلت وجهتها.أوقف " با الطيب " عجلات "رونو 4" ثم قال لها :

- "أنت الان بدوار " أولاد سيدي داود". ترجلى هذه وجهتك."

فجأة انطفأت أنوار السيارة،ونطقت المرأة بصوت رجل خشن أجش،قالت متوعدة :

- " إن تحركت من مكانك كانت نهايتك."

الان دقات قلبه تتسارع بل إن قلبه يتهيأ للقفز من من صدره  ،ومع ذلك استجمع رباطة جأشه وأسرع إلى مصباحه اليدوي و  أناره في وجه المرأة ،فإذا هي امرأة ،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،العينان ملتهبتان كالجمر و الأسنان طويلة حادة ،الأذنان أقرب إلى الحيوان من الإنسان ،و الشعر المنفوش الأشعت يغطي كثيرا من وجهها، تنبعث من أصابعها الطويلة أظفار حادة ،ثم كشفت عن ساقين يغطيهما شعر كثيف ، وأبانت عن حوافرها كانت كحوافر البغال ...وسقط المصباح من يد " با الطيب" و ويسقط "با الطيب" معه صريعا مغمى عليه.

بعد هنيهة يستيقظ " با الطيب" من هول  صدمته ،فيجد نفسه معلقا من رجليه في أعلى نخلة ،يتدلى رأسه صوب الأرض،لا يرى شيئاإلا حلك الظلام،لكنه يسمع أصواتا و صراخا مهولا وكلاما لم يتبين منه شيئا..فجأة تسلقت المرأة النخلة بسرعة البرق ،فأخذت بإحدى أذنيه بمخالبها المخيفة ثم همست   بصوتها المرعب:

" هذا جزاء من يدعي الشجاعة ،لقد سمعت ما دار بينك وبين الرجل هناك بالعرس،ألم يقل لك لا تذهب في هذا الليل وابق إلى الصباح؟ألم يقل لك إن الوادي مسكون؟ثم هزئت به وكذبته،ورفعت يد التحدي.؟ ألم تقل له إنك لا تصدق الخرافات؟؟والان ما أفعل بك ؟هل أرمي بك لهذه الأغوال الصغيرة الجائعة؟؟؟؟  لكن انتظر أولا حتى تلقن الدرس"

وتتعالى الأصوات بالقرب من جدع النخلة وهي تردد:

" أنزلي لنا عشاءنا يا أماه...إننا جائعون..جائعون "

وصرخت في وجههم قائلة:

" اصبروا قليلا ولا تستعجلوا ..."

ولم تكمل كلامها حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر ،واختفى كل شيء..إلا "با الطيب" ظل معلقا من رجليه في عرش النخلة حتى انبلج  الصباح،فجاء إليه الرجل الذي كان قد حذره،فأنزله من على عرش النخلة ،وذهب به إلى بيته فوجد زوجته وأبناءه يفتشون عنه..تفحصت الزوجة وجهه وقالت " من فعل بك هذا "الطيب" ،  ..لكنه لم يعد قادرا على الكلام.فالتفتت إلى الرجل  الرجل الذي أتى به،فقال :

" أخاف ألا تصدقونني،"بالطيب " سيخبركم بكل شيء..يحتاج بعض الراحة فقط"

و نطق ولده مستفسرا عن "رونو 4":

" أين السيارة؟؟لم أرها معكما؟"

" إنها بالوادي المسكون..فلا تذهب إليها إلا ومعك الفقيه"

يتبع.........

توقيع:عبد الكريم التزكيني

تعليقات