📁 آخر المقالات

أنت لست رجلا (قصة بوليسية)

أنت لست رجلا (قصة)

سالم ابن العشرين ربيعا ،يتوهج شبابا وقوة،عارك ظروف الحياة القاسية بالقسم الشرقي من جنوب البلاد،دوار "أيت عطا " المختبيء في حضن جبل من الجبال العاتية ،لايقل قسوة من الحياة،لاشيء يبعث على الاستقرار..حر في الصيف..وقر في الشتاء،لاشجر ولامطر،وإنما يتناثر الحصى والحجر.

شبح الجفاف عمر طويلا وألقى بظله على مياه المنطقة،جفاف جف بسببه   الشبان  من الدوار إلا سالم الذي يترنح بين البقاء والالتحاق بهم،فوالده "عمر" الذي عمر طويلا، بحاجة إلى مساعدته في حفر بئر جديدة قد يجد فيهه ما يحيي به أرضه بعد موتها. 

حفروا وتعمقوا في الحفر فوجدوا كل شيء في طريقهم إلا الماء،حينها عزم سالم من دون تردد على الرحيل ..إلى المدينة،إلى البيضاء حيث معظم أقرانه من الدوار.

البيضاء أو "الدالبيضا" كما يقول سالم ،تنبت فيها العمارات كما تنبت أشجار النخيل اليابسة التي خلفها من ورائه،السيارات بعدد الحصى،والناس غادون رائحون.اختفى الهدوء الذي اعتاده سالم  بالدواروحل محله ضجيج وفوضى وارتباك.ومع ذلك فقد انخرط في تلك الأجواء الصاخبة وبحث له عن شقة يكتريها ،فوجدها، وفتش عن شغل فوجده.

"""""""""""""""

ويطوي الزمان صفحات من حياة سالم طيا،... خمس سنوات خلت وسالم قد جرب  خلالها كل الأعمال و الأشغال، الشاق منها والبسيط،اشتغل في البناء والصباغة والكهرباء والجبس والزليج والتجارة..لم يترك بابا من أبواب الرزق إلا طرقه..ليستقر رأيه في الأخير عن البناء.

وجد في البناء ضالته و صار "عطاشا" أي ما يشبه المقاول الصغير،ساهم في زراعة حي صفيحي بأكمله على أطراف المدينة. و أنشأ في جوف الحي مسكنا له بمساحة خمسين مترا مربعا.

كان "سالم" لا يشرف على البناء بحي" البراريك" إلا ليلا ،هذا ما اتفق عليه مع المقدم ،فبناء " البراكة" نهارا ممنوع ، " والليل يحجب كثيرا من الأمور عن أعين الداخلية يا سالم" يقول المقدم.

الان   أصبح لسالم  شأن عظيم، و لو  في قرارة نفسه،لابد أن رأسماله يتجاوز العشرين مليونا مغربية، المليون ينطح الاخر،فكان لزاما أن يغير من مظهره ومن حاله،ولابد له أن يرتاد المطاعم الفخمة والمناطق التي يتردد عليها أصحاب المال.هكذا كان يظن. أخذ يتردد على مقهى ب "عين الذياب" ويتباهى على أصحابه بأن كوب قهوة بخمسين درهما..لم يعجب بالمكان ،وإنما بمن في المكان. "نورة" ذات العشرين ربيعا، بهية الطلعة ،ممشوقة القوام ،ساحرة العينين ، سحرت بهما قلب" سالم" فمال إليها ميلا عظيما، قالت إنها تنحدر من "شفشاون" لكنها الان مع أمها "الضاوية" و أخيها الصغير " الطاهر"  بالمدينة القديمة ببيت استأجروه منذ عامين ..

تعلق بها أيما تعلق،وظل يلازمها وتلازمه،حتى أنه اقترح عليها ترك العمل في المقهى والزواج به على سنة الله و رسوله ،لكنها أبت..كانت تجيبه في أغلب الأوقات " ومن يعيل والدتي؟؟؟" ثم إنها تفكر في جمع المال لركوب البحار ،إلى الضفة الأخرى،مهد الأحلام و الأمال،كانت تقول له:

" إن أنت ساعدتني على قطع البحر كان لك ما أردت. اعتبر ذلك مهرا."

ورد عليه غير مامرة:

" لي معارف كثر، يمكنهم تنفيذ ما تطلبين باتصال هاتفي واحد ،ولكني لا أقوى على فراقك.. اسمعيني جيدا لن تكوني بحاجة لشيء و أنت معي  ،سأوفر لك كل ما ترغبين به،لك الأمر وعلي الطاعة"

كانت هذه النقطة مثار جدال بينهما ، أفضى إلى شقاق انتهى  بالفراق ،كل إلى مشى  حال سبيله.

"""""""

ومرت الأيام والشهور و السنون و الدار البيضاء هي الدار البيضاء ،حركة ،صخب،ضجيج،شرطة المرور بالحزام الأبيض وعلى الدراجات النارية،متناثرون في كل مكان ،في الكوميسارية ..نعم في الكوميسارية الكبرى..تسير امرأة بخطى متثاقلة في اتجاه مكتب الضابط ،لم تكن بحاجة لمن يدلها، لقد ترددت على المكان كثيرا ،تدخل مكتب الضابط بعد أن يرحب بها ،ثم تبادره متلهفة :

" هل من جديد سيدي عن اختفاء ابنتي نورة؟"

يجيبها وفي صوته نبرة اعتذار:

" لاجديد بحثنا كثيرا ووضعنا صورتها في كل  الأماكن   ليتعرف الناس  عليها ،قد تكون قطعت البحر،كما قلت لنا "

" لا ياسيدي،شعوري ينبئني أنها ماتزال في المغرب"

أومأ الضابط برأسه أن نعم،ثم أضاف:

" لا تخفي عنا أي شيء ،فمهما بدا لك الأمر بسيطا، فنحن لا يبدو لنا كذلك"..."تفضلي.."

همت الضاوية بالانصراف فبدا عليها بع التردد ،فقال لها:

" وكأنك تخفي شيئا "

" لا ياسيدي ..كانت قد حدتثني عن شاب كان يرغب بالزواج بها، فاشترطت عليه أن يساعدها على عبور الضفة الأخرى. ولما رفض افترقا هذا ما حدتثني به سيدي "

" ولم لم  تخبرينا من قبل ؟"

" قلت إن الأمر من دون أهمية ،لأن الفتى لا يشك في أمره "

قام جهاز الأمن بكل تحرياته إلى أن وصل إلى الشاب، هو سالم،باغثوه بكل الأسئلة الممكنة لكنهم لم يعثروا على دليل في كلامه ،فذهبوا معه إلى البيت بدوار "البراريك" ، بحثوا في زواياه ليعثروا على دليل يدينه لكن دون جدوى ...كان سالم يردد كلاما واحدا :

" قالت إنها ستهاجر "الحريك" ولم أتفق معها فافترقنا،ثم لم أرها منذ ذاك الحين"

صرفت الشرطة نظرها عن سالم و أيقنت أن لا علاقة له بالقضية،فأخلت سبيله،على أن يستجيب  إذا طلبوه.

في الكوميسارية، عرف أحد الضباط بذهائه و حنكته ،و اتصل بأحد الجيران بدوار " البراريك" فضرب معه موعدا. في اللقاء الذي دار بينهما توصل من خلاله  إلى أن" سالما" أقام بعض الإصلاحات في البيت ومن بينها حفرة تصريف المياه،والمثير للاستغراب أن الأعمال التي قام بها تزامنت مع فترة اختفاء "نورة".

لم يتوانى الضابط في العودة مع فرقته  إلى "سالم" ، فحاصروه وطوقوه بكل  الأسئلة الممكنة ،متى قام بالإصلاح؟؟ ولأي سبب؟؟ ومن كان معه.؟؟ أجاب بأنه "بناء" و لا يحتاج لمساعدة أحد. ثم باغثه الضابط:

" لا بد لأي "معلم" من مساعد فكيف قمت بكل هذا لوحدك"

" أستطيع يا سيدي ..أستطيع" قالها بكل ثقة.

" لكن مابال حفرة تصريف المياه؟قيل إنك أفرغتها وأدخلتها في الإصلاح؟"

تردد سالم ثم قال:

" لقد امتلأت فأفرغتها.هذا كل مافي الأمر"

نظر إليه الضابط نظرة مريبة،فقال:

" لكنك كنت قد أفرغتها قبل ثلاثة أشهر من المرة الثانية"

لم ينبس "سالم " بكلمة واحدة فقال له الضابط:

" إذن نبحث فيها :سنحفر ونرى مافيها من مياه عدمة"

صمت سالم طويلا ،ثم انهار باكيا:

" لم أقصد قتلها،كنت أحبها كثيرا ،وحبي لها أعماني و أعمى بصيرتي،فقتلتها"

قال الضابط:

" وأين الجثة؟"

" في الحفرة ،حفرة تصريف المياه تلك"

" في الحفرة؟؟؟ كيف فعلت؟؟؟"

" سأروي لك كل شيء"

سالم لم تسلم جرته هذه المرة ، فحكى  للضابط أنه قتل "نورة" خطأ، لم تكن له نية قتلها ،كان قد دعاها لبيته ليقدم لها 3 ملايين سنتيم ستدفعها لأجل "الحريك"،وقال إن الشيطان قد أغواه فأراد بها سوءا فرفضت وشتمته : أنت لست رجلا.

أرادت الفرار بجلدتها ،فاعترض طريقها، فصفعته، عندها غلا الدم في عروقه ،فاستشاط غضبا ثم انهال عليها ضربا ،و أوقعها أرضا، فارتطم رأسها بزاوية الجدار...تدفقت الدماء من رأسها ، حاول ايقاضها لكن سبق السيف العذل.

أسلمت الروح لبارئها ، فلم يجد بدا من تقطيعها أطرافا أطرافا  ووضعها في أكياس بلاستيكية،ثم إلى ثلاجته ،ثم بعدها إلى الحفرة. 

تعليقات