📁 آخر المقالات

لست أنا الفاعل أقسم( قصة بوليسية)


لست أنا القاتل( قصة بوليسية)

 
لست أنا الفاعل أقسم( قصة بوليسية)

عيد الأضحى على الأبواب ،و"عمار" قد حزم حقائبه استعدادا للسفر إلى مسقط رأسه "هوليود إفريقيا "،"ورزازات" حيث الوالدين والأهل والأحباب والأصحاب ...اه يا ورزازات تلك الجوهرة الصحراوية المشرقة في قلب جنوب البلاد،تتربع كعروس بين الجبال الشامخة ...

سنة كاملة من الجهد والكد في مستنبت "الحاج الوزاني" بالقنيطرة،جمع خلالها  "عمار" مايكفي من المال لشراء ملابس جديدة وتذكرة السفر-لا شك ان ثمنها سيتضاعف ايام العيد- لكن الثمن لايشكل عائقا لأهل ورزازات في مثل هذه الأجواء.و إنما العائق الكبير الذي يقلق راحتهم هو قضاء العيد خارج أحضان مدينتهم وقراها ،لذلك يفقد الكثير من الشبان عملهم لأنهم يتخيرون بين البقاء بالعمل  أو الذهاب إلى" البلاد"  ،فيرون " البلاد" أهم من كل عمل ومن كل شيء يجنونه من العمل.

في عيد الأضحى تلفظ المدن الكبرى أغلب عمالها وتلقي بهم في اتجاه مدنهم الصغيرة أو قراهم.ترى البيضاء والرباط والقنيطرة ومدن أخرى خاوية على عروشها أيام العيد.وهي تفيض في وقت اخر  بشباب "ورزازات" و " عمار " واحد منهم.

الان يفكر في السفر الى قصبة "آيت بن حدو"، إحدى عجائب ورزازات  المدهشة، تقف كشاهدٍ على العظمة العمرانية للأجداد. هذه التحفة، التي تتداخل فيها الألوان الترابية، وتجذب أنظار عشاق السينما من كل بقاع الأرض...يفكر  "عمار"وفي نفس الوقت يتصفح هاتفه ويقلب صفحات الفيسبوك،يتوقف برهة ويقرأ"" من أراد السفر من القنيطرة إلى ورزازات يتصل بهذا الرقم ،سيارة رائعة تتسع لست ركاب والثمن جد مناسب""

توقف عن تصفح الفيسبوك ،واتصل مباشرة بالرقم،واتفق مع صاحبه على الثمن وزمن ومكان الانطلاق.

*************




انطلقت السيارة من القنيطرة تطوي الأرض على بركة الله قبل انبلاج الفجر في اتجاه ورزازات،لم تكن السيارة كما وصفها صاحبها،عمرت طويلا تصلح لنقل اي شيء إلا المسافرين ،مهترئة ،تجر خلفها ضبابا أسود ،ولكن ما عسى "عمار" يفعل ،شأنه شأن باقي الركاب عليه أن يستسلم لقضائه وقدره.وعليهم جميعا أن يغزلوا  ما ينبعث من دخان على مضض داخل مقصورة السيارة.

وتسير السيارة الهوينا وقد عبرت البيضاء ومراكش عبر الطريق السيار ،لأن الطريق الوطني مليء بسدود الأمن ومراقبات الدرك الملكي وعلى السائق تجنبهم ما أمكن...لكن أنى له ذلك في طريق المنعرجات  الوعرة،" تيزي نتيشكا" حيث تتناغم المنحنيات مع مناظر الجبال الشامخة والتضاريس الوعرة. إنها رحلة تجمع بين المغامرة وسحر الطبيعة، تجعل كل منعطف لوحة فنية تنبض بالحياة...طريق يسير ملتويا كحية تتسلل بين الصخور..تنعرج السيارة يمينا وشمالا ومعها تهتز قلوب الركاب وتقلقل أحشاءهم.

يقود  السائق مزهوا بسيارته على أنغام أغنية شعبية ل "أحوزار" يردد مع المغني ويدندن ،لم يكن حافظا لكلمات الأغنية.يخفف من صوت الموسيقى  ليسمح لنفسه في سرد مغامراته مع سيارته، يثرثر كثيرا، قال إن سيارته هذه ألمانية الصنع فرد عليه أحدهم : متى كانت "بوجو" ألمانية؟؟؟ لم يرد عليه ولكنه أكد له أنها لم تتعطل ولا مرة  في الطريق،وأنها تخترق الجبال طولا وعرضا دون أن تكترث لمنحدر أو مرتفع.وأنها لاتستهلك إلا قليلا من الوقود قال :إنها تشم "المزوط" فقط..

ولم يكمل كلامه حتى توقفت السيارة عن الدوران، بعد أن ضغط بقدمه اليمنى على  الفرامل بقوة اهتزت معها السيارة بركابها، فاحدثث صفيرا ورائحة ...إ نه سد للدرك الملكي ،"باراج" مختبيء خلف منعرج خطير،انشغل عنه السائق  بالحديث عن سيارته وبطولاتها،وإلا كان على الاقل أمر المسافرين بربط حزام السلامة.وتهيأ للوقوف كما يجب.. .شده  لعدد الدركيين الكثير،يتجاوز  الستة .

يلقي الدركي بالتحية:

- السلام عليكم،مراقبة الدرك الملكي،أوراق السيارة من فضلك.

ويسلمه الأوراق اتباعا في ا رتباك:

 - "تفضل الشاف. "

يطل الدركي على المقصورة ثم يباغثه :

من هؤلاء المسافرين؟ أ من العائلة؟

أجل..أجل من العائلة الشاف.

- لا باس، لأرى بطائق تعريفهم. 

انخرط الجميع في تقديم بطاقته الوطنية ،لكن فجأة انفتح باب السيارة وانطلق منه أحد الركاب منزلقا كالسهم  نحو سفح الجبل..ولم يتوانى اثنان من رجال الدرك عن اللحاق به،ولم يبتعد قليلا حتى أدركاه.كان الهارب يردد:

- أقسم بالله لست أنا ..لم افعل شيئا..

لم يفهما ما كان يقصده من كلامه لكنهما اقتاداه إلى مكان المراقبة وتبين لهم أن "عمارا" له علاقة بجريمة ما.

صفدوا يديه واقتادوه الى المركز فسألوه مرة أخرى عما كان حديثه .

قال :

مضى على الحادث أربع سنين،في ليلة من الليالي المقمرة ،اتفقت مع 4 من أصحابي على الانعزال في إحدى الشعاب ،لنقضي ليلة ماتعة ،وقد هيأنا كل الظروف لذلك،طعام وشراب وفراش وقنينات خمر زهيد الثمن،كانت 3 قنينات ،تناوبنا على الأولى فالثانية،لكن الثالثة انفرد بها "احماد ولد رحو" وهو أمر لم يستسغه " سعيد أيت عمي" فوقع شجار بينهما ،انتهى بعد أن هوى سعيد بقنينة فارغة على جمجمة احماد، سقط على إثرها  صريعا .ظننا في البداية أنه سينهض ولكننا اكتشفنا بعد ساعتين أنه قد فارق الحياة،فلم نجد من سبيل للخروج من تلك الورطة ،سوى ما اقترحه القاتل،قال لنا إن علم أحد بما وقع سيكون مصيرنا الظلام الأبدي لذا من الأفيد للجميع إخفاء الجثة و دفنها ودفن السر معها.

حملناه نحن الثلاثة ووضعناه في حفرة قد حفرتها المياه ،و أسدلنا عليه التراب بأيدينا ،ثم جئنا بصخور مسطحة ووضعناها فوق القبر حتى لا تنهشه الذئاب أو الكلاب.نفضنا أيدينا من الغبار ومن كل شيء ،وأخفينا كل المعالم..تعاهدنا ألا يبوح أي منا لأي كان بالسر ثم تسللنا إلى بيوتنا في وقت متأخر من الليل."

اقتاد رجال الدرك " عمار " إلى عين المكان ليتأكوا من أنه صادق فيما قص عليهم.حلو بالمكان و أزاحوا الصخور ثم نبشوا القبر فأخرجوا منه عظاما ورفاثا،كانت للمرحوم "احماد"

وقبل ذلك نسقوا في فيما بينهم لإلقاء القبض على الجاني "سعيد" وعلى ثالثهما "مراد"..تم القبض عليهما بمدينة الدار البيضاء بعدما دلهم " عمار" على مكانهما فقد قضى معهما بضعة أيام قبل شهرين.

لم يجد أي منهما سبيلا لإنكار ما نسب إليه، واعترف "سعيد" أنه الجاني،قال:

- " لم أقصد قتله ،وإنما فعلت بي الخمر فعلتها،وأغواني الشيطان"

 لكن اعترافه ذاك لم يعف صاحبيه "عمار" و " مراد" من التهمة  في المشاركة في  الجريمة والتستر عليها.

النهاية.

توقيع :عبد الكريم التزكيني

تعليقات